من الحياة : حياة بعد الولادة بقلم د.عدنان وحّود
في 2008/12/22
قبل سنوات ، عشرين ،
ثلاثين ، أو أكثر ، قرأت كتاب « تعريف عام بدين الإسلام » للعالم الجليل علي الطنطاوي - رحمه الله - وقد استفدت منه لنفسي الشيء الكثير . فقد
أبدع العالم الجليل في تصوير الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة ، عن طريق تشبيه هذه النقلة
، بحياة توأمين في بطن الأم ، وخاصة في لحظات الولادة ، أن يظن أحدهما ، بأن صاحبه قد فارق ،
وغادر الحياة . من جهة أخرى يشرح الكتاب أنّ الحياة الدنيا من الناحية الزمنية ، هي حياة أطول بأكثر من مائة ضعف من حياة الجنين في بطن أمه ، وقس على ذلك ، طول الحياة الآخرة ، إذا كان هناك مجال للقياس .
خلال هذه السنوات ، كان الاستشهاد بهذا الشرح ، الذي اكتسبته عن طريق قراءة هذا الكتاب النفيس ، يتخلل حديثي مع جلسائي ، وخاصة الشباب منهم .
قبل بضعة أسابيع ، راجعني أحد هؤلاء الشباب ، الذي سمع مني هذا التصوير قبل سنوات ، قائلاً : بأنه حصل على نصّ أشمل ، لمثل هذا التصوير . فقد استطاع
العاملون والعالمون بوسائل العصر الحديثة ، التي تمكننا من التقاط وتحليل معاني الإشارات الإلكترونية عن طريق استخدام المجسّات الحسّاسة ، التي تستشعر هذه الإشارات عن بعد ، أن يحصلوا على إشارات موثقة بالحركات لحوار جرى بين ثلاثة أجنّة ، تواجدوا في بطن أمهم . بعد إخضاع هذه الإشارات لبرامج الحواسيب الحديثة والمعقّدة ، استطاعوا ، أن يعاملوها ، وأن يفسروا تفاصيل الحوار ، وأن يصوغوا الحوار في إحدى لغات بني آدم .
لكنّ هذا الشاب قال لي - وهو شديد التحفظ - : لا أخفيك سراً ، إن قلت لك ، إنني لا أعرف بالضبط : أين تواجد هذا الفريق ؟ ومتى قام بالتقاط هذه الإشارات ؟ وأضاف قائلا : إنه لم يصل إليه علم عن معتقدهم! أو في أيّ لغة دوّنوا حوار الأجنة لأول مرة ؟ فالأغلب ، أن النص الذي وصل إلينا باللغة الألمانية ، هو عبارة عن نسخة مترجمة لعدة مرات عن النص الأصلي . ولا ندري أيضاً إذا جرى أي تحوير عن النص الأصلي أو أن الحوار افتراضي أصلا . أنا بدوري ، أقوم بترجمة النسخة الألمانية إلى اللغة العربية ، عسى أن يجد القارئ العربي شيئاً من الفائدة .
تواجد في بطن أم حامل ثلاثة أجنّة . كان أولهم المؤمن الصغير ، وثانيهم المرتاب الصغير ، وثالثهم المتشائم الصغير
.
المتشائم
الصغير : يسأل : هل تعتقدان حقاً
بالحياة بعد الولادة ؟
المؤمن الصغير : نعم ، وبكل وضوح ، حياتنا هنا ليست إلاّ لننمو ، ونكبر ، ونتهيأ
للحياة بعد الولادة . عندها سوف يكون لدينا ، ما يكفي من القوة لنواجه ما سوف ينتظرنا .
المرتاب
الصغير : يا لهذا الهراء ، كيف
يمكننا ، أن نتصور حياة بعد الولادة ؟
المؤمن الصغير : أنا
أعرف كيف ، ولكن ليس بالدقة . سوف يسطع النور علينا أكثر مما هو نحن عليه الآن . ربما أصبحنا نمشي
وعبر فمنا نأكل .
المرتاب الصغير : ما هذه
السخافة! نمشي ، ونأكل عبر الفم ، يا لها من فكرة غريبة . لا يوجد سوى حبل السرة ، الذي نتغذى عن
طريقه . وحبل السرة قصير جداً ، لكي نمشي هنا وهناك .
المؤمن
الصغير : بلى ، من المؤكد أنه سوف
تكون حياة بعد الولادة . سوف يحدث تغيير كلي لبعض شؤوننا وأوضاعنا .
المرتاب الصغير : لم يحدث على الإطلاق ، أن عاد أحد بعد الولادة . بالولادة تنتهي الحياة . والحياة هنا ليست إلاّ عناءً وظلمة
.
المؤمن الصغير : أيضاً وعلى الرغم أنني لا أعرف
بدقة ، كيف ستكون الحياة بعد الولادة ؟ سوف نرى على كل حال أمنا ، وسوف تقوم على رعايتنا
.
المرتاب
الصغير : أنت تؤمن بأم ؟ أرجوك وضّح
لي أين هي ؟
المؤمن الصغير : هه هنا ، في
كل مكان من حولنا . نحن بها ونعيش فيها ومنها .
المرتاب الصغير : سخافة ، أنا لم أشعر على الإطلاق بأمّ ولذلك لا وجود لها .
المؤمن الصغير : أحياناً ، وعندما نكون هادئين ، بإمكانك أن تسمعها ، وهي تغني . أو تحسّ بها ، وهي تربت على عالمنا أو
تتحسسه.
المتشائم الصغير : يسأل : هل
عندما سوف تكون حياة بعد الولادة ، سوف يعاقب المرتاب الصغير ، لأنه لم يؤمن بالحياة بعد الولادة ؟
المؤمن الصغير :
لا أعرف بالضبط ، ربما يأخذ صفعة على قفاه ، ليفتح عينيه ، ويتمكن من بدء الحياة .